الأحد، 19 مايو 2024

تفسير قولھ تعالى: (من بين الصلب والترائب)

 #تفسير_آية

قال تعالى في سورة الطارق: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (7)}
التفسير: هذه الآية مما اختلف المفسّرون في تأويلها، ففمنهم من يقول: المراد بذلك صلب الرجل وترائب المرأة، ثم يتأولون الترائب بموضع القلادة من نحر المرأة، وبعضهم يقول: من بين صلب الرجل وترائبه، أي: نحره، ومنهم من يقول: المراد بذلك القلب، لأنه عصارة قلب الرجل والمرأة، والقلب يقع بين صلب الرجل وترائبه، وصلب المرأة وترائبها.
وحتى نعرف تأويل الآية الصحيح، يجب علينا أن نفهم معاني الكلمات الواردة في الآيات، الفهم الصحيح، فأكثر المفسّرين متقدّمين ومتأخرين، يأخذون بالمشتهر من معاني الألفاظ بين الناس، دون النظر في ما تحتمله الكلمة من معانٍ أخرى، تعرفها العرب من كلامها، فيبني تأويله للآية، على المشهور من المعاني فقط.
فقوله: "الصلب" أي: الظهر، والمراد به هنا: العمود الفِقري للرجل والمرأة.
وقوله: "والترائب". الترائب جمع ومفرده تريب وتريبه، والتريب في اللغة، هو العديل والمساوي والمثيل والكفْ والندّ. وعند العرب، كل شيئين أو أكثر تساويا في صفة، فهما تريبان وأتراب وترائب فيما تساويا فيه من الصفات.
يدل على هذا المعنى، قوله تعالى في سورة الواقعة: {عُرُبًا أَتْرَابًا} أي: متساويات في السِن والجمال. فعند العرب، العينان تريبتان، والأذنان تريبتان، واليدان تريبتان، والترقوتان تريبتان، والثديان تريبان، والرجلان تريبتان، وهكذا.
ونحن إذا نظرنا إلى الموضع الذي يتدفّق منه ماء الرجل والمرأة، وجدنا أنه ينبع من الأجهزة التناسلية، وهذه الأجهزة، موضعها بين الصلب، الذي هو الظهر، الذي هو العمود الفِقري، وبين الرجلين، فدلّ هذا، على أن المراد بالترائب في الآية الكريمة، هما: الرجلان.
وقد أشار إلى ذلك الطبري في تفسيره، فقد روى عن ابن عباس رضي الله عنه، أنه قال في تأويل هذه الآية: "فالترائب أطراف الرجل واليدان والرجلان والعينان، فتلك الترائب". وروى عن الضحّاك أنه قال: "الترائب: اليدان والرجلان".
وزعم بعضهم، أن الرجل يستمد غذاء ماءه من ظهره، وأن المرأة تستمد غذاء مائها من صدرها، فزعموا أن الآية إنما تشير إلى مصدر غذاء ماء الرجل والمرأة، ولكن الآية، إنما تشير إلى الموضع الذي يتدفّق منه الماء، لا إلى مصدر غذائه، فترجّح أن القول بأن الترائب في الآية يراد بها الرجلان، أصحّ.
والله أعلم وأحكم.

الجمع بين آيتين ظاھرھما التعارض

قال تعالى في سورة الصافات:{فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144)

وتفسيرها: أنه لولا أن يونس عليه السلام كان من المسبحين، لسجنه الله في بطن الحوت إلى يوم القيامة.

وقال تعالى في سورة القلم: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ (48) لَّوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50)}

وتفسيرها: أنه حتى لو كان يونس عليه السلام من المسبحين، فقد يكون هذا سببا في العفو عنه من السجن في بطن الحوت إلى يوم القيامة، ولكن لن يكون سببا في رضى الله عنه، فقد يأمر الله تعالى الحوت بإلقائه وهو مذموم على ما قام به، وقد ينزع الله منه ما أكرمه به من النبوة، وخصَّه به من القربى، فيكون كآحاد الناس، ليس له قدر عند الله تعالى كما كان سابقا، ولكن الله تعالى أنعم عليه مرة أخرى بعد إنعامه عليه بالعفو عنه من السجن في بطن الحوت، بأن اجتباه وقربه ولم ينزع عنه ما أكرمه به من النبوة.

والله أعلم وأحكم.