الأحد، 7 مايو 2023

تأويل قوله تعالى: (وَیَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ) وقوله تعالى: (مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرِی)

قال تعالى: ﴿وَقَالَ ٱلۡمَلَأُ مِن قَوۡمِ فِرۡعَوۡنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوۡمَهُۥ لِیُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَیَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبۡنَاۤءَهُمۡ وَنَسۡتَحۡیِۦ نِسَاۤءَهُمۡ وَإِنَّا فَوۡقَهُمۡ قَـٰهِرُونَ﴾ [الأعراف ١٢٧]

قلت: فكأن الآية تشير إلى أن فرعون كان قد اتّخذ له إلهاً يعبده.

وقال تعالى: ﴿وَقَالَ فِرۡعَوۡنُ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡمَلَأُ مَا عَلِمۡتُ لَكُم مِّنۡ إِلَـٰهٍ غَیۡرِی فَأَوۡقِدۡ لِی یَـٰهَـٰمَـٰنُ عَلَى ٱلطِّینِ فَٱجۡعَل لِّی صَرۡحࣰا لَّعَلِّیۤ أَطَّلِعُ إِلَىٰۤ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّی لَأَظُنُّهُۥ مِنَ ٱلۡكَـٰذِبِینَ﴾ [القصص ٣٨]

قلت: وهذه الآية تفيد بأن فرعون لم يكن يدين بالعبودية للأوثان، بل إنه جعل من نفسه إلهاً يعبد.

والجمع بين الآيتين متيسّرٌ ولله الحمد.

فإن فرعون لعنه الله من أهل مصر، وأهل مصر كانوا يعبدون الشمس، والأصنام، ولكون فرعون من أهل مصر، فما يجري عليهم يجري عليه اسما أو حكما.

وهذا مثل ما نقول عن اليهود المبدلين لكتاب الله بأنهم يهود، مع أنهم ليسوا على اليهودية التي جاء بها موسى عليه السلام، ولكنهم لما انتسبوا إليهم، استحقوا هذا الاسم دون الحكم.

وإنما اشتق اسم ملة موسى اليهودية، من الهَود، وهو الأوب، وهو الرجوع، والمراد به هنا: الرجوع من المعصية إلى الطاعة.

قال تعالى مخبراً عن موسى عليه السلام: ﴿وَٱكۡتُبۡ لَنَا فِی هَـٰذِهِ ٱلدُّنۡیَا حَسَنَةࣰ وَفِی ٱلۡـَٔاخِرَةِ إِنَّا هُدۡنَاۤ إِلَیۡكَۚ﴾ [الأعراف ١٥٦] أي: أُبنا إليك.

فلأن أهل مصر اتخذوا من الشمس والأصنام، آلهة يعبدونها من دون الله تعالى، قيل بأنها آلهة لفرعون، كونه من أهل مصر.

وهذا مثل ما وصف الله تعالى به اليهود من أنهم قتلت الأنبياء، مع أنهم جميعاً لم يقتلوهم، بل قتلهم أسلافهم، وإنما لكونهم سائرون على طريق أسلافهم في الغواية، استحقوا هذا الوصف اسما لا حكما.

فكذلك فرعون، لما كان سائراً على طريقة أسلافه في الكفر والوثنيّة، استحق أن توصف آلهة قومه، بأنها آلهة له، اسماً لا حكما، لأنه في الحقيقة لم يعبدها، كما يظهر من الآية، بل إنه أسقطها ونصّب نفسه إلهاً لأهل مصر بدلاً عنها.

لذلك قال الله تعالى: ﴿وَیَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَۚ﴾ أي: يذرك فلم يعبدك كونك نصّبت نفسك إلهاً لأهل مصر، ويذر آلهة قومك، فلم يعبد ما عبده أسلافك وأهل بلدك من الآلهة، وجاء بعبادة إله لا نعرفه.

والله أعلم وأحكم.